بقلم -دكتور محمد عطا.
أستاذ تنظيم وتنمية المجتمع بجامعة حلوان ومدرب مدربين معتمد واستشاري فنون التخاطب للأطفال ذوي الهمم
تخيل عزيزى القارئ لو أن الطفل ذا التوحد استطاع أن يعبر عن ذاته لهجانا قائلاً “”
أنا أبدو طفلا سوياَ الى حد كبير، ومع ذلك لا يفهمني الكثير من الناس، كما أنى لست أصماً، ومع ذلك ربما لا أتعامل مع ما أسمع بصورة صحيحة، ولست كفيفاً ومع ذلك ربما لا أفهم ما أراه، أنا منعزل عن العالم بسبب عدم قدرتي علي معرفة معناه، فساعدوني للاتصال بالعالم من جديد، أنا عندى قلب أنقى من الحليب ونية أصفى من الماء المقطر ، لا أعرف دروب الخيانة ولا النفاق والكذب ولا أتجًمل ولا أعرف معنى الظلم ولا أرتدى ثوب الخداع….فقط أحتاج الى أن اعرف معنى الحياة وأنا سأعلمكم كيف تكونوا بشراً بحق “”
ربما تحمل تلك الكلمات سياطاً من جمر وإن طالت قلوب قارئها ستدمع عيناه ولربما كانت تلك الدموع بمثابة مشاركة وجدانية بسيطة مع مشاعر ومعاناة أطفال التوحد وأسرهم والذين تفوق ضغوطاتهم معاناة الأسر التى فقدت أبنائها في الحروب ! ولما لا وهى معاناة مستمرة فمنهم من لا يطيق مواجهة الناس والمجتمع بأن لديه طفل من أهل التوحد وأحياناً يعملن على إخفاءه عن أعين الناظرين ، فضلاً عن صعوبة دمجهم في المجتمع الأسرى والمدرسى مع قرنائهم ، ومنهم من تحفو قدماه بحثاً عن طوق نجاه لتعديل نموهم اوإحداث تحسن ولو طفيف في مهاراتهم الذاتية والإجتماعية ، وتشير الإحصاءات الى تنامى أعداد الاطفال ذوى التوحد حول العالم ، والتى تؤكد على ضرورة دعم جهود البحث العلمي والمهني سعياً لإكتشاف علاج مناسب لهذا الإضطراب المعقد من حيث فرضيات وتخمينات حدوثه أو طرق التأهيل المناسبة لهم، وخاصة مع صعوبة تحديد سبب واحد أو حتى الإيمان بفرضية واحدة أو الاقتداء بنظرية واحدة لتفسير هذا الشبح الذى يتنامى بصورة موحشة كل يوم .
كما أن أسر الاطفال ذوى التوحد وخاصة أمهاتهم يعانين من ضغوط مضاعفة فى إمتحان مجتمعى صعب ويحتاجون لمزيد من المساندة والدعم ومحاربة كافة الأساليب التقليدية والنمطية في فك شفرة التواصل الاجتماعى لهؤلاء الاطفال والدخول بحرفية وفن الى عالمهم الخاص دون إقتحام أو تسرع في إصدار الحكم على مدى نموهم أو إستجابتهم للبرنامج التأهيلى ، كما أن “طفل الاوتيزم ” ينفرد ببصمة خاصة له دون غيره حتى وإن تشابه معهم في نفس الإعاقة ونفس العمر الزمنى والعقلى واللغوى له وخصائصه الجسمية والعقلية ، ويجب الأخذ في الإعتبار عدم الخلط في التشخيص بين التوحد وبعض أنواع الإعاقات الاخري مثل التخلف العقلي والفصام والدون وغيرها، فضلاً عن أن التوحد فى حد ذاته درجات مابين بسيط ومتوسط وكلاسيكى حاد، وهو ما يتطلب العمل على إستخدام أدلة ومقاييس تشخيصية دقيقة ومتطورة ومقننة لقياس مجموعة الأعراض السلوكية والعقلية والوجدانية التي تميز حالات التوحد بشكل قاطع عن أي إعاقات أخري، وإختيار أنسب البرامج التأهيلية لتنمية مهاراتهم المطلوبة لإستثمار ما لديهم من قدرات وطاقات فى سبيل دمجهم بطريقة مناسبة وبصورة مستدامة . ..